بجماليون ( رؤية أخرى)
المشهد الأول : الولادة
(إنه بجماليون كعادته ، يتجول ليلا في أزقة أثينا باحثا عن حانة تخلو من تلك الروح الشيطانية التي تسكن ذاك الجسد يسمونهم النساء)
بجماليون : إنهم أكثر من الآلهة (يقولها و هو يختلس النظر من احدى نافذة حانة )
(يتقدم نحاثنا هذا ، شاحبا ، مستنزفا لآخر جرعات إلهام لديه، راجيا في أن يسقى بكأس خمر يصعد به إلى الأعلى ، هناك حيث ديونيروس ربما يحدثه عن الجمال ، او الكمال ، و ربما يجد عنده إلهامه الذي فقده ، ربما يجد عنه شيئا من تلك الأشياء التي تجعله يحول تلك الصخرة القابعة في وسط فناءه إلا فن ، إلى جمال و كمال ، يحمل مسافرنا الباحث عن الكمال كأسه ، و كأنه ترنيمة يرددها أثناء كل رشفة ، بعدما أنهى قنينة و ثلاثة كؤوس التحم بديونيروس إنه الفنان-الآلهة )
(يعود فناننا-الآلهة إلى بيته ، بيت مظلم ، شاحب ، ملئ بالاجساد و الملائكه الفاقدة الروح ).
بجماليون : إنني أشعر به ، إنني أحسه ، إنني أسمعه (متجها نحو صخرته الرخامية بت أسمعك الآن ، أنت هنا سأحررك ، سأكسر هذا الرخام الذي يقيدك ، أنت حرة بعد الآن ،....
(يبدو أن الترنيمات قد وصلت و ثم استجابتها ، ها قد غفى نحاثنا ، بعدما أكمل آخر لماساته و أضاف عليها بعض شذرات حب ،....)
بجماليون : (يستيقظ على أول خيط انبثق من الشمس ، داعب وجهه بلطف ، لكن دفئه قد أيقظه، يفتح عينه ، و إذ يرى خيط شمس آخر يداعب خصرها بهدوء و دفء) جيلاتيا ! جيلاتيا ! أنا أذكرك أنت من حررتك بالامس ، أ استيقظت ؟
(ظل مستلقيا ، مستمرا ينظر إليها لساعات ، وشفتاه لا يلتقيان أوشكوا على نواح ظنا أنهما ابتعدت عن بعض من فرط الابتسامه ، و خياله الذي انغمس فيه بالكامل مع جيلاتيا ، بالكاد استجمع نفسه ليساءلها.)
بجماليون : ( وهو يحادث نفسه ) أ تحبها يا بجماليون ؟ أجل ، و كأن اليوم أول صباح أستيقظه ، يا لها من مفاجأة ! بجماليون النحاث الذي يكره النساء و الذي يتوجس منهم خيفة و اللاتي يثرن اشمئزازه ، يصنع تمثالا لإمرأة يسميه جيلاتيا و يعشقه ! ليست ككل النساء إنها الكمال و الجمال إنه الفن الذي أبحث عنه ، إنها القداسة بجسد إمرأة ، قد تكون مقدسة و مختلفة عن باقي تماثيلك لأنها بوشاح و جسدها غير مكشوف ، لكنها لازالت تشبه النساء اللواتي لطالما أمقتهم....
(ينهي فناننا العاشق حواره ، بجولة إختار أو يذهب فيها مع جيلاتيا إلى البحيرة )
المشهد الثاني : جيلاتيا و الخيال
مرت الايام ، ولم يترم بجماليون الهائم مكانا إلا و زاره)
مع جيلاتيا ، و لا حكاية إلا و رواها إليها ، فكان الليل عنده لا ينتهي ، كان سعيدا و أشبه بغارق ......)
بجماليون : أعددت قهوتي ، لأشربك
( تلاها نظرات مطولة ، كأن الكلام أصبح فتات رخام لا فائدة منه و العيون أصبحت الأداء لينفلت من جسده، و يهرب بحب إليها فيصيران واحدا ، أما الابتسامه فكانت الفرقة الموسيقية ، الاوركسترا ، السمفونية التي تدل الحياة في إرتحالاتهم بين أمكنة المخيلة ، أما المخيلة فكانت معبدا ، ربيعا ، حانة ، مرقصا ، شاطئً ، وحديثة ....
بجماليون : ( وهو يحضن تمثاله ) هل تعلمين لماذا صنعت بهذا الجمال ؟ أنا أيضا الا أعلم ، فلو كنت أعلم لما سمحت بنفسي بالغرق ، لكنني سعيد ...
(يشعل بجماليون شمعة و يرتل بعضا من الطقوس إنه أول أيام عيد الآلهة فينوس )
بجماليون : فينوس ! يا آلهة الحب و الجمال جئتك طالبا أو تدل الحياة في جيلاتيا معشوقتي جميلة الجميلات ، يا آلهة الحب إزرعي بعضا من روحك في جيلاتيا و دعيني أشتم الحب و ألامسه ، يا آله. الجمال إزرعي بعضا من روحك في جيلاتيا و اتركيني ألامسه و أستشعر به يداعب جسدي ، يا آلهة ! أحييي جمالك على هذه الأرض ،
(تشعل النار ثلاث مرات ، تحقق أمانيك أيها النحاث ، يعود مسرعا إلى منزله و إذ به يجد جيلاتيا زوجته تنتظره على العشاء ، يدنو نحوها غير مصدق أنها هي ، و أخيرا سيشتشعر لماساتها و أخيرا ستشاركه محدثاته ، رغباته ، و واقعه)
بجماليون (يركض باتجاهها و يعانقها) : جيلاتيا فاتنتي ،..
المشهد الثالث : الكمال و الوهم
بجماليون : جيلاتيا ، أريده أن أحادثك
جيلاتيا : تفضل
بجماليون: ألا ترين أنك البالغين في أعماله المنزل ، يعني ليس عليك الالتزام بثلاث وجبات ، ليس عليك الالتزام بغسل الاواني بعد الاكل ، أي قانون هو الذي أحتم علينا فعل ذلك ، أي واجب ديني أمرنا بذلك ، لا أرى أنك مضطرة لفعل كل ذلك ، كما لم أعد آراك كجيلاتيا تلك المرأة المقدسة الفائقة الجمال أصبحت تشبهينهم ، أسلحة باهتة تشبهين كل تلك النساء اللواتي لطالما أمقتهم، فقدت بريقك يا جيلاتيا ،..
جيلاتيا : ربما خلقت لأكون هكذا ، فأنا لا أعرفه من هذه الحياة سوى كيف أكون زوجتك و أخدمك و ألبي رغباتك ،..
(يغادر بجماليون البيت غاضبا صوب المعبد ، يشعل شمعة و يبدأ بالتراتيل من جديد ،...)
بجماليون : فينوس يا آلهة الحب و الجمال ، فينوس يا آلهة الحب أطلب منك أو تدب روحاني حالمة ، روحت سعيدة و روح إمرأة ، فأنا أطلب منك الآن إمرأة لا زوجة ، أريده جيلاتيا كما عاهدتها دائما في مخيلتي
( تشعل النار ثلاث مرات ، و هل قد تحققت طلباتك يا نحاث ، )
بعد ذلك اليوم تحولت جيلاتيا إلى إمرأة مفتونة بجمالها ، كما لو أنه الآلهة أيقظت ملكة الغرور و الأنانية بها
جيلاتيا : بجماليون ، سامحني ، لأستطيع أم أبقى معك بعد اليوم ، أمام لم أعد تمثالك المعشوق الذي يزين فناءك ، أمام جسد و روح الآن ، أنت امرأة ، لم تعد تستطيع إقافي لا تستطيع سجني بعد الآن ، أنت حرة ، و سأذهب لأكتشف الحياة ، أنت أعرف معنى الحياة ...
بجماليون : حياتك ليست بالطول الذي يستحق التفكير فيما بعدها ، و الخارج ليس إلا أبشع مما تتخيلين
جيلاتيا ( وهي تقاطعه) : إذن دعني أرى هذه البشاعة ، دعني أراقب الالم و الوحشية ، أنت تمثال صار إنسان فما أسوء ما قد يحصل لي ؟...
(يستيقظ بجماليون بعد مساء ذاك اليوم مصدوما ، مذهولا، أمام رسالة جيلاتيا )
بجماليون ( وهو يقرأ الرسالة) : عزيزي بجماليون ،
لا أجد من الكلمات ما أبدأ بها رسالتي هذه ، فشكرا لك على ىكل ذاك الحب و العشق الذي أحطتني به دائما ، شكرا لأنك جعلتني بهذا الجمال ، لكنني لم أعد تمثالا ، أنا امرأة و حرة ، كنت قد تعرفت ليس ببعيد على ترسيس إنه شاب وسيم و لطيف لا أعلمه كيف سأقول هذا لكنني أحببته و هو كذلك ، ستذهب معا لنكتشف العالم ،..
جيلاتيا.
( يلقي بجماليون بالورق مهزومة ، و عاجزا فمعشوقته قديسة الجمال التي صنعها من أدق خلجات قلبه ، و رعشات أصابعه تاركها لتهرب مع رجل آخر ..)
المشهد الرابع : من الوهم إلى الوهم
بجماليون(يخرج مهزومة صوب المعبد ): القرابين بيده و الترانيم متطايرة في رأسه ، يحاول أم يستجمع نفسه و يرد نوبة البكاء هذه التي تعتريه ، يجاهد حتى يكمل آخر ترانيمه) : فينوس يا آلهة الحب جئتك اليوم و أنت محطم و مهزوم ، فبإسم الحب الذي تهبينه للعالم ، بإسم كل ذاك الحب الذي وهبته لها لها ، أصلي كي تعيدي جيلاتيا إلى طبيعتها الأولى خالية من كل رتابة و ابتذال ، إني أتوسلك كي تهديها نظيفة من كل الأحاسيس و الافعال البشرية الدنيئة ، أريده أو تعود لي ذاك الفن الذي يحيط به الكمال و الجمال من كل جوانبه أريدها أو تعود نقية كما كانت ،...
( تشعل النار ثلاث مرات ، ها قد تحققت صلواتك يا أيها الحالم بالكمال )
يعود لمنزله و ها هي جيلاتيا صخرة رخامية جامدة في وسط الفناء ، أمقتها بنظرات مطولة ثم ذهب ،..
ينام ساعتين و يمظي باقي اليوم في التفكير و صراعات داخلية ، ظل على هذا الحال إلى أم إنهزم و وصلت نار حربه الداخلية إلى خارجه فحطم تمثاله ، حطم جيلاتيا جميله و معشوقته ، و ها قد انهزم ، يا ليته انهزم ولم يستسلم ! يا ليته لم يحرر الصرخة في أعماقه ، ياليته أسرها ، يا ليته استأجر حبلا او أيادي لتسكتها ، يا ليته إستسلم للدموع بدلا منها ، لكنه فعل ، فقال نفسه فوق حطام جيلاتيا .....)
(حطام على حطام ... اما الاحلام ، أحلامه فلم تمت،
لازالت هائمة ، تلوح في الفضاء
باحتثا عن جيلاتيا بين الحطام ،..)
انطباعات الكاتب :
يوما ، قال لي أحدهم الأحلام و الأفكار كائنات لا تموت أبدا تبقى هائمة في الوجود حتى تصطدم بجسد يحتضنها ، فهي كانت في الوجود و ستظل ، يبدو أنه جيلاتيا كانت فكرة جميلة اصدمت ببجماليون النحاث فأعطاها جسدا ، و صلى كي تزرع الروح فيها ، إلا أنها كانت فكرة عنيدة تأبى الأسر ، فدمرت نفسها و دمرت النحاث الحالم بالكمال لتبقى رابعة من روائع الأساطير اليونانية ، هائمة بين الكتابات الأدبية تبحث عن قلم ترتطم به ليحييها و يعطيها جسدا جديدا ،....
تعليقات
إرسال تعليق